مرحبا بك

أنت على مدونة الشاعرة والأديبة المغربية مريم الوادي

تفضل قم بجولة بين عناقيد الروح، واترك أثرك ..

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

أريد دبابة


هل العيد..
ازدحم المواطنون
أمام الدكاكين
وعند الجزارين
والعطارين
قالت أمي:
سأشتري لك يا أحمد لعبة
وشوكولاطة حلوة
أمسكتني من يدي
وحثت الخطى على سوق الألعاب
قالت :
هذا مسدس مائي
وتلك
ر
شا
شة
هذا صاروخ
محدود المدى
وتلك بندقية
ولكن
بلا
ر
صا
صه
فماذا تختار يا أحمد ؟؟
تلك
قيتارة
وذاك كمان
وذي
ر
با
به؟؟
همست لها خافتا:
أريد
د
با
به
غطت فمي بعصابة:
 صه يا أحمد
 وحذرت بالسبابة


مريم الوادي

الأحمر المسافر

الأحمر المسافر..


أيها الأحمر المسافر بين المدافع
وأصوات الرصاص..
يستيقظ في القلب وجع الفراق
تسلل أورورا-1- لتقبل جباه الثوار
وينزل القمر مستديرا ليمسح نزف النهار
ويكتب أسماء الملائك على وجه السماء
تصرخ ثدي الرضيع الذي نام تحت رمادك
أيها الرصاص
كم اكرهك ايها الرصاص..
كم أكره نحيب اليمام..
تطارده زغاريد النساء..
أكره تهامس الطواحين
في غمرة الاشتعال
واليوم أتيم بسلاسل الانعتاق
أسكن الغيمات الراقدة في أفق الانتظار
أرى النوارس تحتفي بالرند وشقائق والنعمان
وأجرام السماء تراقص بواريد النحاس
ماعدت اليوم وحدي
معي قيثارة مجنحة تتأرجح بالالوان
تحفظ كل الوجوه وكل التفاصيل
كالمرآة
معي اناشيد وشطحات تلبس ياقة بيضاء
ها قد صارت للتاريخ أيها الأحمر المسافر
ذاكرة خضراء
تنبت زهيرات الفل بين شفاه الشهداء
ويورق الياسمين في ذكراك على شرفات الماء
+++++++++
مريم الوادي
-1-أورورا : ربة الفجر



هبني وطنا

هبني
و
ط
ن
ا

هبني وطنا أوسع من حضن أمي
وطنا لايرميني الى أرصفة الخبز وأنا ابن عام
ولا يقصيني من ثدي لم أشبع بعد من لبنها
هبني وطنا لا يرعبني بأمي الغولة
ولا ينيمني على حدوثات سارق الأولاد
هبني وطنا أوسع من صينية الكعك
وأدفأ من كؤوس الشاي
وأبهى من حقول النعمان
هبني وطنا لاأمشي فيه حافيا
عاريا
جائعا
مهزوم القسمات
هبني وطنا لا أتسول فيه
لا أدس رأسي في قماماته
لاأطأطئ فيه هامتي لطربوش
ولاأركع فيه لحذاء
هبني وطنا أحبه
وأفتح صدري للبنادق في سبيله
هبني وطنا مغسول الوجه
مرتب الثياب
حلو البسمات
وطنا يستيقظ باكرا
ويشق طريقه الى البيادر والمعامل والمرافئ والطرقات
وطنا يسهر حين أنام
ويحرسني من سارقي الأحلام
هبني وطنا لا يقسم ظهري بالهراوات
لايناديني ياحمار
ولا ينكل بي في الشوارع والطرقات
هبني وطنا لايسرق قمح حقولي
لا ينهب خضار بساتيني
ولايقطف عنب الدوالي وفواكه الشجيرات
هبني وطنا لايبيع السمكات حبلى
ولايقايض بصغار المحار
هبني وطنا حلو المذاق
لما أمرر لساني على خده لا يغشاني المرار
وطنا حنونا
عطوفا
يخشى علي
ولما أمرض يسهر الى جانبي
ويضمد حماي
وطنا يسعفني من الحرائق والاختناق
ويحميني من اللصوص والاغتصاب
ويفتديني حين أعرض في المزاد

هبني
و
ط
ن
ا
يحبني

أهبك ما لاتتصور من الأشياء

مريم الوادي
مايو 2011





لما يغضب

 
لما يغضب..
يصرخ يهدر
يمزق ويكسر

يزرعني صخورا ومحار
يقذفني على رصيف الروح
نخيلا واعصار
تنبت في القلب رياحين حزينة
وشقائق نعمان
تنطفئ في الكف شموس كثيرة
وتنوح أقمار نيسان
=====
لما يصفو ..
يبتسم ينحدر
يحنو ويعتذر
يفتحني بابلا أخرى بأقواس قزحية
تتلون أصابعي بين كفيه النارية
تتأبطني شقاوته والضحكات الشيطانية
فأراه في ومن حولي
وبين يدي
كرات ثلج بلورية
====
مريم الوادي
نهايات مارس 2011






 

سوسنة العشق

سوسنة العشق






حبيبتي :
لا تترددي..
هيا اخنقي الورد الذي
تمرغ ذات حب تحت أقدامك
واكسري زجاجة العشق الذي
روى ذات حب عطش سرتك
هيا اخنقي .. هيا اكسري..
ولا تترددي
فما عادت الوردات ياحبيبة ،
تحرك قلبك..
ولا عاد نبيد العشق
يثمل ثغرك..
خرافية أنت ،وفاتنة حين توقدك..
وباردة ،وموجعة لحظ صدودك..
حبيبتي :
أماتت الرغبة فيك؟ أم مت أنا؟؟
أمالت المرأة فيك ؟ أم ملت أنا ؟؟
ميلي..ميلي..
إلى حيث تشتهين،
ياسوسنة العشق الماردة..
وحين يقبل موسمي فيك
سأفتح بابي والنافدة..
وفي المساء ،
عندما يزورك الانطفاء
ويدنو مني خريف اللقاء
لا تترددي ..
واخنقي الورد اخنقي
وزجاجة العشق اكسري
ثم تحللي غبارا ،
وفراشات
واندثري
مريم الوادي
22 مارس 2010

حكايات على جبين عينيها ...

حكايات على جبين عينيها ...
============


==============





يوم ولدت قالوا أنثى
فخجلت من صرختي الزغاريد
ثلوت في عيون المهنئين تلاوينا وهمهمات
تمزقت على باب سرتي ذاكرة الأشياء ..
فمنعنتي كبريائي من البكاء ..
==============
يوم ولدت قالوا: أنثى
وارتعشت في العيون الضحكات
لم يلبس أبي سلهامه الليلكي
والخيمة الكبيرة لم تنصب
لم ترقص الجياد
وبواريد النحاس لم تداعبها أيادي الصغار
بطلت تمائم أمي ..
و تعاويذ جدتي سقطت على وجه النهار
===========
لو تتكلم المرايا وتبوح عن أسرار النساء
في مواسم الحصاد..
لو تفشي بساتين القطن وعروش التقاح
كل الحكايات..
لوتوشوش البيادر للفلاحين
و يروي الغسق للفجر
آلام الانتظار ذات مخاض..
ذات جراحات..
=========
بذرت بأحشائك ياوطني ملايين الرجال
سافرت فيك دما وحنانا
ودمعات وزعفران
وبذرتني ياوطني فيك عطشا ودموعا

ومواجع أقحوان

الليل في وطني


في باريس..نيويورك ..روما.. وشانغهاي..
وكل عواصم الدنيا..
الليل طرقات براقة وأضواء..
وحدها السيارات تعبر خلوة النوام
تتجدد الخلايا
وتكبر الأحلام
والليل في وطني
عهار
وصالات قمار
تطرح الشوارع
أطفالا ليسوا كالأطفال..
يبعثون من رحم الشقاء..
يتسكعون على الطرقات..
يطلقون الصرخات..
يكسرون زجاج السيارات..
وقبل طلوع الصباح
يندثرون على الأرصفة
ويموتون كالفراشات..
**********************
الليل في وطني..
اختلاس وخروقات
سماسرة عذارى ومومسات..
قطط تموء..
كلاب تقلب القمامات..
صبية ترقص فوق بقعة حمراء
وعلى رأسها ..
تسقط الورقات تلو الورقات
وبين الورقة والورقة..
تهتك في وطني
وردات
****************************
مريم الوادي
أواخر مارس2010





في المساء


في المساء..
عندما يخنق الرمادي ضوء النهار
أهرع نحوك ياظل أهرع
ألتقط الباقي من الصبح وأسرع
أسرع في شم الأخير من عبقك
لأن الخريف يطاردني ويطاردك
فلملم صحبتي الباقي من الصبح

ودع زنابق العشق تتفتح

في المساء..
عندما يحضن اليمام حبيبته
أغمض عيناي ..

أفتح نحوك جناحاي..
 
أطارد طيفا سكن عيناي..
   أتلمس..
أتحسس..
فتضيع مني يداي


في المساء..
عندما يطردني وطني
أسافر نحوك..
أطوي قصائدي كلها
كي أكتبك..
أخلط ألواني كلها
كي أرسمك..

ما أبهاك ..
تسامر الحرف في انتشاء
تغوص في لذة البوح
تتمرغ على صدر القصيدة
وأنا الشريدة
فيك شهيدة

عمت مساء أيها الحرف

عمت مساء أيها الحرف..
ها أنت تسكن الأصابع كالجنون الأصفر
وترمي بكل الهوايات الى حوافي الصمت
ها أنت تحتكر العمر لك وحدك
وتستبيحني لك وحدك

********
عمت مساء أيها السطوة المقتدرة
لم تلاحقني كشيخ رهيب ؟؟
أعتزل فتستيقظ بداخلي
ككرة النار الحارقة تستيقظ بداخلي
تلهب مشاعري
فأتوه بين مجرات الكلام
تتقاذفني كواكب البوح
وتغزلني مجرات الهذيان
خيوطا من وهم لمساء عابر

*****************
عمت مساء أيها العجائبي
المدور المحفور
ها أنا أتوسدك مخدة لوجه غائب
وأشربك قهوة لصباح يطل برأسه من شرفه العمر
ليسقط في حجر النهار على مضض
***********
عمت مساء أيها الأخضر الممتد
في الوعي واللاوعي..
خذ ما تبقى من الدمع نافورة لعطشك
و جثت الكلمات المدحورة
خذها وليمة..
وهاتني لحظة مطاوعة
أكتبك فيها كما أشتهي..

********************
أيها الحرف
كن بخير





لا تذكار لي

الى العزيزة كوثر مصباح
مع باقة حب
 
 
هناك..
على الربوة الكبيرة
جنب المنحدر
غازلنا المنازل
وعانقنا قلوب الشجر
لا ضوء اليوم يصحبني
إلى المرفأ القديم
لا عطر يقودني
إلى موعدي المنتظر
إلى الربوة الكبيرة
جنب المنحدر
للحائط القديم قبلة الوداع
وللزقاق الوجع
والنسيان
والسفر
ها أنت ترحلين مع الريح
كحكايات المواسم
تسافرين مع الصهيل
والحناء والأهازيج
كالزغرودة تنتحرين
بين السواك والعقيق..
 ومناجل الحصادين..
ها أنت كالفرس المجنونة تموتين
بلا بكاء

بلا نزف

بلا أنين


ولا تذكار لي تتركين


مريم الوادي

جدتي وطقم أسنانها : وشم في الذاكرة

جدتي وطقم أسنانها : وشمان في الذاكرة


الإهداء:
إلى التي تشرق صورتها في قلبي كما الشمس
إليك يا جدتي ..
************
كنا خمسة أطفال أبناء عمومة،تتراوح أعمارنا بين الثامنة والعاشرة ، نلتقي خلال العطلة ، في بيت جدي بالقرية الممتدة بين سهول" تادلة" الغراء، والمنقوشة ،على ضفاف أجمل باحة من باحات ذكرياتي..
كنا صغارا، نعدو فلا نكل ،ونلهو فلا نمل ،نتسلق الشجيرات،ونغمس أقدامنا في وحل أمنا الأرض،كأننا نأخذ كفايتنا من الحب، ونطفئ ظمأ الشوق إليها، نتيه بين مزارع الفول، والسمسم ،والقطن ،والشمندر..نلتهم مايصلح منها للالتهام كالجراد، وندفن النفايات تحت التراب ،كي لا يكتشفها عمي مصطفى، خلال جولته التفقدية في المساء..
كان الفضاء لا يتسع إلا لصرخاتنا ،وهي تعانق شدو الطيور،كنا نحلق بأجنحتنا بعيدا فنعانق السحاب، نعانق الشمس، ثم نسقط على العشب الوثير، نقهقه كما العنادل..صور عزيزة تمر أمامي بكل تفاصيلها كما الشريط..
وكانت جدتي" زهرة" زهرة في بستان طفولتنا ، وعلامة مميزة في مسار ذكرياتنا، تخرج رقعتها الصوفية وسبحتها ،وتجلس تحت الزيتونة، زيتونتها، والويل لمن سولت له نفسه التبول تحتها، أو مجرد اللهو بقربها ،كانت زيتونة موقرة ،وقار وجهها الحبيب..
كنا نرتع نرتع ،وحين نتعب، نتحلق من حولها ،لأخذ استراحة قصيرة، فتملي علينا أفكارا وخططا للعب ،وتارة أخرى تحكي ألوانا من طفولتها، فتتنهد تنهيدة عميقة:إيه.. لولا العجز لكنت ركضت بينكم، وسبقت أسرعكم. ولكنت اختبأت بين الحشائش، ولم يجد لي أثرا ذكيكم..لكن سرعان ما نتفرق من حولها ،منطلقين إلى عالم أرحب من عالمها..
وكان لجدتي طقم أسنان، وكان هذا الأخير علامة أخرى من علامات طفولتنا ،وشامة من شامات ذكرياتنا..
كان الطقم يضيع منها، فتسخرنا للبحث عنه ،وتخصص للذي يجده بيضة .
نتسابق في رحلة البحث عن طقم جدتي، نركض في كل الأرجاء التي قد تكون مرت منها- وهي تدب كالسلحفاة-
فنسمعها تقول:ياعفاريت،لا تركضوا بقوة ،قد يتكسر الطقم تحت أقدامكم .
نتلطف قليلا ، ونصير نمشي على رؤوس أصابعنا ،خوفا على الطقم النفيس ..
وبينما نحن مشغولون بالبحث، إذ نسمع صوت خالد وهو يصيح:جدة جدة هاهو لقيتو ورا الدار..
نعود أدراجنا مهزومين ،خائبين ،وقد ضاعت البيضة منا.
نولي وجوهنا ناحية زيتونة الجدة ، فنراها وقد استلقت على جنبها ،وغطت في نوم عميق ،بينما خالد يمد لها الطقم ويزحزحها من كتفها: جدة جدة فيقي هاهو لقيتو..
عبثا حاولنا إيقاظها ،بقيت وخالد بجانبها، بينما ركض الآخرون نحو الدار لنقل خبر نومها.
ظلت جدتي وشما في الذاكرة ،وظل طقمها المخبأ تحت السرير ،في صندوقة والدي، وشما آخرا يؤكد لي خبر موتها.

مريم الوادي


ديسمبر2009





من يسرق ورود الأحلام ؟

من يسرق ورود الأحلام ؟


كان أبي بستانيا ،يعتني بورود وأزهار حديقة أحد الأعيان..
وكنا نسكن كوخا صغيرا بجوار حديقة القصر ،حتى يتسنى لأبي حراسة الحديقة ليل نهار..
وعند عودته من الحديقة كل صباح ،كان أبي يحكي الكثيرمن الغرائب عن ورود تسمى بورود الأحلام ..
وهي ورود تحاط بعناية فائقة من صاحب الحديقة ،حيث يعين لها طبيبا نفسيا ،وممرضة ،وحارسا إضافيا، ويحيطها بأسلاك كهربائية..
يحكي أبي أن الرجل وزوجته وأبناؤه ،يأتون الحديقة كل صباح ،ووجوههم يغشاها الوقار والتيمن ،يقفون في طابور أمام ورود الأحلام ،ويؤدون صلاة معينة ،قبل إنطلاق يومهم .
بعضهم يبكي ،و البعض الآخر يبتهل، و آخر يسجد أمام ورود الأحلام ،
ومنهم من ينحني ويوشوش في أذنها الأمنيات..
يوما بعد يكبر إعجابي بهذا المخلوق العجيب ،الذي تؤدى له الصلوات كل صباح، والذي يوزع الأحلام ويحقق الأمنيات ..
ويوما بعد يوم يزداد فضولي، وأسخر كل تفكيري لطريقة تمكنني من الظفر بوردة ،وردة واحدة من ورود الأحلام..
لقد كان محضورا على أبناء البستاني ولوج الحديقة ،أو اللعب بجوارها ،وكان محضورا على البستاني إطلاع أبنائه على مايدور في الحديقة من أسرار..
حاولت بكل الطرق والحيل إقناع أبي بأن يحضر لي وردة من ورود الأحلام -عفوا بأن يسرقها لي - لكنه رفض خوفا من الطرد والسجن.. خوفا من فقدان هذا المنصب الهام..
أصبت بالحمى ، وسقطت طريحة الفراش ،ولم ينفع معي دواء ولا أعشاب..
شخصت أمي الحمى بأنها حمى ورود الأحلام ،التي لم تطلها يداي، وبكت وتوسلت إلى أبي كي يسرق وردة قبل فوات الأوان..
وفي غمرة الحمى ،لمحت أبي يمدني وردة متلألئة ،حمراء صفراء ،بنفسجية زرقاء ،وردة اختلطت فيها كل الألوان..
مددت يدي لآخذ الوردة ،وقبل أن تلمسها يداي، ارتفعت الوردة وحلقت في الهواء ،ثم شقت طريقها كنيزك وانطلقت من باب الكوخ.
تبعتها أسرع الخطى، أنفض الحمى، أسابق الأحلام، فرأيتها تنتصب عائدة إلى غصنها الذي قطفها منه أبي- عفوا الذي سرقها منه أبي -
وفي كل مرة تعاودني الحمى ، كان أبي يسرق لي وردة ،وكانت الوردة ترفض أن تلمس يداي وكانت ترتفع ،وتطير كنيزك في السماء..
أتبعها أسرع الخطى، أنفض الحمى، أسابق الأحلام ،وأراها تعود وتنتصب في غصنها هناك..
ويوما بعد يوم ،وحمى بعد حمى ،ومحاولة بعد محاولة،أيقنت أن للورود حارسا خفيا ،يتبعها ،ويعيدها إلى مكانها ،إن هي زاغت ،وحاولت ،أو فكرت، في تحقيق أحلام لغير أصحاب الأحلام.
مريم الوادي



خبز العيد

خبز العيد





كلما مرت تلك الذكرى الصغيرة من أمامي ، تفتحت في الطفولة من جديد ،وحدها يدا أمي كانت تصنع للعيد فرحته وتسوقها إلى قلوبنا الصغيرة على أطباق المحبة والحنو..
تستيقظ مع تراتيل الفجر ،تشعل نار الموقد و تضع قدر الماء الكبيرة المفحمة فوقها ،وتنفخ تحتها بزفرات ثلاث أو أربع، لتتقد أعواد القطن الباردة ،وتلتهب روثات البقرة الصفراء ،
ومع بدايات الصباح الأولى تدفع أمي باب العلية علينا حاملة معها شعاعات الشمس البلورية .
ترفع عنا البطانيات ،تقرع كفا بأخرى،وتهتف بصوتها العسلي :استيقظوا فاليوم عيد..
كنت أصغر إخوتي وكان النوم يغالب جفوني، فلا أقوى على الامتثال لندائها بنفس سرعة إخوتي الكبار. أمسح بأصابعي العمش الملتصق بالرموش ، وأفرك عيني الصغيرتين لأطرد عنهما النعاس، أفتحهما فأجدها قبالتي تغازل الصبح على فرشتي ،وتهديني تغاريد الصباح ، تمطط جسدي بيديها ،تفتح كفي وتقبل لون الحناء الشفقي وهي تدندن :مبروك العيد يا لالا ، تعيدي وتعاودي ،ونشوفك عروسة ..
إن شاء الله ..
وما إن تنتهي طقوس الإستيقاظ ،حتى تبدأ دورية الاستحمام ، كل من في البيت يستحم صبيحة العيد
تقول أمي بأن في ذلك بركة، وخلاص للأجساد من الكسل والمرض..
تفرغ القدر الكبيرة وتملؤها أمي تذهب وتجيء على عجل، بين المطبخ و الحمام القصبي المنصوب في ساحة البهو ، مشمرة على ساعديها ،رافعة تلابيب قفطانها في حزامها ، والسروال القصير المطرز بالأخضر يمنحها رشاقة وسهولة في الحركة ،بينما صوتها لا ينفك يحلق معها :أحمد لا تنس فرك رجليك بالصابون ،فاطمة كسوتك البرتقالية وحذاؤك البني فوق الكرسي ،سعيد لا تلمس الكعكات فهي معدودة وكل ناقصة ستسقط من حصتك .. تدب في المنزل حركة غير عادية ..
هذا يبحث عن قميص وذي تبكي لأن زر الفستان سقط ،وذاك ينفخ شدقيه لأن السروال فضفاض ،وتلك تطلب العيدية قبل الإفطار..
أما أنا فكنت أبقى ملفوفة في فوطة الحمام الكبيرة إلى حين فراغ أمي من متاعب أولئك المشاغبين الكبار. أحضن قميصي الأحمر، وتنورتي الموردة ذات الطيات المجنحة الكثيرة . أدور أدور وأنا البسها كاني أركب أرجوحة كهربائية تحملني الى سماء بعيدة لا تنتهي.. فتغار مني كل القرينات ..
كنت أفرح بالعيدية كثيرا عيدية نجمعها من الجيران والأقارب الذين يزوروننا في أول العيد ،ويقضمون الرغيف المقلي والقطائف المعسلة على عجل ..لأن طواف المنازل مايزال في بدايته ..
لكن كانتفرحتي أكبر وأنا أقبل خبز العيد ، ذاك الخبز الاسفنجي الأبيض ،المعجون بالكراوية وحبة البركة ،المدهون بصفار البيض ،والمرشوش بالسمسم .. كم أحبه لكن أمي لا تعده الا كل عيد ،والعيد لايأتي الا مرتان في السنة، لذا أحاول أخذ قسطي الوفير من حبه واشباع رغبتي الكبيرة من لذته ..
كانت له رائحة مميزة تنبعث في كل أرجاء البيت وتظل تسكن الدولاب ،والأغطية ، والمخدات مدة طويلة بعد العيد.. لونه الأصفر الذهبي مايزال يهز ذاكرة بطني الطفولية ويهدهد في الحنين ..
طوال يوم العيد لا أجلس الى طاولة طعام، ولاأشتهي لحما ولاخضارا ولافاكهة ، ألعب مع رفيقاتي وأركض ،أسقط وأقوم ،أشاغب وأشاكس ،وأنا أحمل في اليد كسرة خبز بيضاء ،ألوكها باستمتاع وتعطر فيي نسماتها الزكية ولما يجف حلقي، أركض الى خابية الماء ،أغرف منها بكأس الفخار المطلية بالقطران ، فتزداد شهيتي لكسرة أخرى من خبز العيد..
ومع غروب شمس العيد تدخل العصافير الى أعشاشها ،والدجاجات تمتطي عروشها ،ويسوق الرعاة الأغنام الى الزريبات ،وتخرج النسوة بحثا عن أطفالهن بين الدوالي والكروم ..
عشيتها وجدتني أمي تحت التوتة الكبيرة نائمة ،أفترش منديل الغميضة،وأمسك بأصابعي على كسرة من خبز العيد .
مريم الوادي
20 أبريل2011